الوطن سبورت | ملحمة “مو” في بلاد الإنجليز – الدليل المصري

وكان السؤال الذي يراودني دائما: هل ما حققه محمد صلاح نتيجة مهاراته الفنية وقوته البدنية ووعيه بعلوم كرة القدم الحديثة، بدءا من أي نقطة يمكنه التسجيل منها وبأي نسبة، وصولا إلى فهم فنيات الجسم؟ أثناء المراوغة والالتفاف بسرعة، أو بسبب عقليته وطريقة عمل عقله المسؤول. الأول يتعلق بإصدار كافة الأوامر وبدونها لا يتحرك شيء؟ ما أقوله ليس مجرد سؤال عابر. عندما ظهر كريستيانو رونالدو عبر قناته على اليوتيوب، لم يتحدث عن طريقة تسجيل الأهداف والمراوغة التي يحبها، بل تحدث عن كيفية قيامه بإجراء حوار ذهني مع نفسه كل يوم، خاصة في أوقات الملل، وكيف أنه يشجعه على العمل. بالمناسبة يا رونالدو. بدأ حياته بمهارة ولم يتألق حتى سمع كلام وكيل أعماله مينديز الذي طلب منه التنازل عن أهداف مذهلة مقابل التسجيل من كل الفرص الممكنة، وكانت تلك بداية الانطلاقة الأسطورية للدون.

أعود الآن إلى صلاح الذي يعيش فترة حاسمة في مسيرته الأسطورية التي شارفت على الانتهاء مع ليفربول، في ظل إحجام الأخير عن تجديد نجمه الأول، لكن هذه الفترة الحاسمة تحولت إلى ملحمة شكسبيرية غنية بكل عناصرها. ، الجمهور ينتظر ويطالب ببقاء بطلهم المحبوب، البطل الذي لا يتكلم. باستثناء حبه للأنفيلد وخيبة أمله، والإدارة الصامتة، ووكيل الأعمال الذي يدير كل شيء من خلف الستار، والكلمة الأخيرة التي ينتظرها الجميع على أمل أن تكون سعيدة.

وإذا كانت إدارة ليفربول قد اتبعت حتى الآن سياسة الصمت، فإن “مو” لم يلتزم الصمت، بل اتبع استراتيجية لا تنبع إلا من عقلية فريدة أو “فلاح أراري” لم ينس بعد شوارع نجريج. وفترة “الصناعة” في مراهقته التي علمته الكثير. وقد تم اعتماد هذه الاستراتيجية في الأصل. فهم صلاح لنفسية جماهير الريدز، التي تعد من أكثر الجماهير تعصبا لأنديتهم، ولذلك كان عليه أن يقنع تلك الجماهير بأنه يستحق التواجد والراتب الكبير، وإذا اقتنعت الجماهير فسوف تقوم بالأمر. مهمة الضغط عليه. إدارة النادي.

لكن إقناع جماهير ليفربول ليس بالأمر السهل، إن لم يكن الأصعب. صلاح يعرف ذلك، كما يعلم أن الطريقة الوحيدة للإقناع هي التألق في الملعب. لذلك، استعد جيداً قبل بداية الموسم الذي أراده بشكل استثنائي، وبعد مرور 14 جولة، يمكن القول بثقة أنه نجح بشكل يفوق الخيال. ووصلت أهدافه إلى 13 هدفا، متصدرا قائمة الدوري الإنجليزي، متفوقا على الماكينة هالاند، حتى أنه احتل المركز 11 في قائمة اللاعبين الأكثر تسجيلا للأهداف في تاريخ الدوري الإنجليزي، مع 77 تمريرة حاسمة، متجاوزا الأساطير. مثل كريستيان إريكسن وتيدي شيرينغهام، فهو على بعد ثلاث تمريرات فقط من تجاوز ديفيد بيكهام. كما أصبح اللاعب صاحب أكبر عدد من الأهداف والتمريرات الحاسمة في تاريخ المسابقة في نفس المباراة، بعد أن فعل ذلك في 37 مباراة، متجاوزًا واين روني. وهكذا نشر الملك المصري أسلوبه بين الجميع، وبدأت جماهير الريدز تهتم فقط بـ… باسمه.

وبالتوازي مع هذه الإنجازات، كان صلاح يتبع الخطوة الثالثة من الإستراتيجية، وهي التحدث إلى وسائل الإعلام وإطلاق الرسائل من خلالها لإدارة ناديه. وقد رأينا ذلك عندما قال إنه يرغب في البقاء في مدينة ليفربول التي تأقلمت معها عائلته واستقرت فيها، وكرر ذلك عندما تحدث بحزن متعمد عن شغفه بتسجيل الأهداف. وفي الأنفيلد أعرب عن خيبة أمله لعدم تحدث معه أحد من إدارة النادي. حتى أن الموقف وصل إلى حد القول إن مواجهته الأخيرة أمام مانشستر سيتي قد تكون الأخيرة له، ولا يخفى على أحد أن كل مؤتمر صحفي كان يدور حول آرني. أراد توضيح موقفه من صلاح والهروب من الإجابات الصريحة من خلال إطلاق النكات، لكن في كل الأحوال، أصبح تألق فرعون الماضي مصيرًا لا يستطيع هو ولا إدارة الريدز الهروب منه.

كل ذلك حدث دون أن يتحدث صلاح عن عروض الأندية الأخرى التي يتولى رامي عباس مهمتها باحترافية تامة. هذه عروض جدية، وبعضها سيعرض على “مو” راتباً أكبر مما يطلبه من الريدز ومنا في عروض الدوري السعودي مثلاً، لكن بطاقة المال لم يستخدمها الفرعون المصري. ولم يتحدث وكيل أعماله عن أي شيء يتعلق بوجهته المقبلة، لا تلميحاً ولا تصريحاً.

وبعيداً عن مستقبل صلاح في ليفربول، وما إذا كان النادي سيوافق على تمديده لثلاث سنوات أخرى كما يشاع، أم أنه سيختار الرحيل إلى أي وجهة أخرى، فإن المؤكد هو أن هذه الاستراتيجية كانت محددة في المقام الأول من أجل تقديم المستوى الفني على أفضل وجه ممكن، ثم كسب تعاطف الجماهير، ومن ثم الحديث عن شغفه. بالنسبة للنادي، فهي في النهاية استراتيجية تجعلنا نعرف كيف يفكر صلاح، وكيف يتجنب المواجهات، وكيف يضغط لتحقيق ما يريد، والأهم كيف يكسب احترام الجماهير. تخيل لو تحدث صلاح عن أداء الأندية الأخرى، هل سيكون رد فعل الجماهير؟ وسيكون الريدز محملين بكل هذا الحب الذي سيرافق الفرعون المصري حتى بعد رحيله، إذا رحل. علاوة على ذلك، بمستواه الفني سيجبر أكبر الأندية على تقديم ما يريد.

قد يهمك أيضاً :-

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *